مقدمة :
إذا كان حق التقاضي حقا مكفول للجميع فهو يكرس مبدأ المساواة والحرية وسيادة القانون واحترام سلطة القضاء وكما هو معلوم أن دور السلطة القضائية هو إحقاق الحق لإنصاف المظلومين عن طريق تطبيق القانون بواسطة وسائل وإجراءات قانونية وذلك حفاظا على حقوق الأفراد والجماعات ومن بينها الدعوى التي تعتبر سلطة مقررة لصاحب الحق في المطالبة قضائيا بحماية حقه، إزاء أي شخص يعتدي على هذا الحق أو ينازعه فيه في إطار اعتبارها أداة قانونية للحصول على الحماية القانونية وتقرير الحق الذي يدعيه الشخص أو لحماية المركز القانوني الذي اعتدى عليه، فإنها تخضع لمجموعة من الإجراءات القانونية والتي حددها المشرع في قانون المسطرة المدنية وفي بعض القوانين الخاصة حسب طبيعة الدعوى والتي يتعين على الأطراف احترامها، بحيث لا يمكن قبول أي دعوى دون توفر شروطها من أهلية وصفة ومصلحة .
وتعد المصلحة شرطا ضروريا لإتمام عناصر انطلاق الدعوى على النحو القانوني والقضائي فلا دعوى بلا مصلحة حيث تكون المصلحة تكون الدعوة وعدم تحقق شرط المصلحة في رافع الدعوى يعتبر مانعا من موانع عدم رفعها، فالمصلحة هي مناط الدعوى .
ولهذا ارتأينا في عرضنا هذه الحديث عن شرط المصلحة ، ولقد اعتمدنا لهذا الغرض التقسيم المنهجي التالي :
المبحث الأول : التنظيم القانوني لشرط المصلحة وتميزها عن الصفة
المبحث الثاني : المصلحة في القضاء الإداري مع بيان شروط العامة للحق المدعى به
المبحث الأول :
التنظيم القانوني لشرط المصلحة وتميزها عن الصفة
إلى جانب الأهلية والصفة هناك شرط المصلحة إذ لا دعوى بلا مصلحةوعدم تحقق شرط المصلحة في رافع الدعوى يعتبر مبررا للقاضي لعدم قبول النظر في الدعوى لأنها لم تحترم الإجراء الأساسي في الدعوى وهو شرط المصلحة .
لهذا سنخصص المطلب الأول من هذا المبحث للحديث عن ماهية شرط المصلحة وتمييزها عن الصفة مع بيان شروطها الأساسية وآثارها .
المطلب الأول : ماهية المصلحة وتميزها عن الصفة
تعد المصلحة والصفة شرطان أساسيان لقبول الدعوى أمام المحكمة .
الفقرة الأولى : ماهية شرط المصلحة
إذا كانت المصلحة لغة هي الصلاح والمنفعة فهذا التعريف لا يبتعد عن التعريف الاصطلاحي ووفقا للرأي الغالب فقها وقانونا على اعتبار المصلحة هي المنفعة أو الفائدة العمليــة أو الواقعية التي تعود على المدعي من الحكم له بطلباته قضائيا، فرافع الدعوى يهدف إلى تحسين مركزه القانوني وتأكيد حقه .
ويجب أن تكون المصلحة إيجابية ومادية كما يجب أن تكون مشروعة وقائمة وحالة ، ونظرا لأهمية المصلحة وارتباطها الوثيق بحق المدعى به جعل بعض الفقه إلى القول بأن المصلحة هي الشرط الوحيد لقبول الدعوى ، فلا يمكن تصور دعوى بدون مصلحة ، حيث يجب أن يكون الحق الذي يطالب المدعي بالاعتراف له به أو حماية قضائيا عرضة لتهديد جدي، أو على الأقل أن يجني المدعي فائدة من الطلب الذي يعرضه على المحكمة ، فالدعوى التي تقدم إلى القضاء دون ابتغاء منفعة أو اعتراف بحق يصرح بعدم قبولها لانتفاء المصلحة ولعدم اتسامها بالجدية ما لم تكن دعوى كيدية .
وهكذا فقد تكون مثلا مصلحة البائع من الدعوى استيفاء الشيء المبيع ومصلحة المالك على الشياع قد تكون فرز نصيبه للاستئثار به مستقلا عن باقي الشركاء .
ولقد استقرت محكمة النقد المغربية على اعتبار هذا الشرط لازما لقبول الدعوى وصحتها .
قرار رقم 528 بتاريخ 1982 / 2 / 26 جاء فيه "إن الفقرة الثانية من الفصل الأول من ق.م تنص على أن القاضي يثير تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة وينذر الطرف المعني بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده القاضي، وأن المشرع قد اعتبر إجراء المسطرة المتعلق بتوجيه إنذار محدد الأجل للطرف المعني وعدم استجابته لهذا الإنذار يعد شرطا أساسيا قبل التصريح بعدم القبول وأنه لا يمكن أن يغني عن الإجراء المذكور" .
الفقرة الثانية : تمييز شرط المصلحة عن الصفة
قبل حديثنا عن تمييز شرط المصلحة عن الصفة لا بد لنا أن نتطرق الى المصلحة بين الدعوى والحق الموضوعي، فالحق الموضوعي ينصب أساسا على المصلحة في الدعوى وهي شرط لقبول الدعوى والتي تختلف عن المصلحة في الحق الموضوعي لأنها تعتبر ركنا في الحق، أي المصلحة المادية والأدبية التي تضمن وجودها بحماية القانون لها، في حين أن المصلحة في الدعوى، تعني الفائدة التي تعود للمتقاضي من الحكم له بطلباته قضائيا فهي تأتي بعد التهديد أو الاعتداء على الحق، ومفصل المقارنة يتجلى في الآثار أن انعدام المصلحة في الحق الموضوعي الذي هو أساسه الدعوى يؤدي إلى الحكم برفض الدعوى ، يحوز حجية الأمر المقضي به، في حين أن غياب المصلحة في الدعوى يؤدي إلى عدم قبول الدعوى لا يترتب عليه حجية الأمر المقضي به .
وقد تتوافر المصلحة في الحق الموضوعي دون المصلحة في الدعوى، فلا تقبل مثلا دعوى دين عادي بسبب استغراق حقوق الديون الممتازة .
وهكذا يتبين أن المدعي له مصلحة في الحق الموضوعي دون المصلحة في الدعوى .
وبعد إبرازنا الفرق بين المصلحة في الدعوى وبين المصلحة في الحق الموضوعي يمكننا إعطاء التمييز بين المصلحة والصفة، فيثير التميز بين المصلحة والصفة في التقاضي كثير من النقاش لاقترابهما من حيث قبول الدعوى، وكذا الخلط الذي يقع في تحديد كل منهما، وهكذا نجد من الفقه من يقول بأن الصفة في الدعوى وصف من أوصاف المصلحة، حيث يجب أن تكون شخصية ومباشرة .
ونرى مع البعض أن الصفة في الدعوى مستقلة تمام لاستقلال عن المصلحة فهذه الأخيرة تتحرى الفائدة والمنفعة من الدعوى في حين أن شرط الصفة هي سلطة مباشرة الدعوى تمنح لصاحب الحق المعتدى عليه أو المهدد بالاعتداء .
ويمكننا إضافة أن المشرع المغربي فصل بين الصفة والمصلحة عندما ذكرهما منفصلان في الفصل الأول من المسطرة المدنية واعتبرهما شرطان مستقلان من حيث قبول الدعوة أو عدم قبولها .
المطلب الثاني : شروط وآثار المصلحة
يكاد يجمع الفقه والقضاء على أن شروط المصلحة ثلاثة وهي أن تكون قانونية شخصية وقائمة .
الفقرة الأولى : شروط المصلحة
كما سبق الذكر فإنها تنقسم إلى ثلاث شروط وهي كتالي :
1 – قانونية المصلحة :
هي التقاضي بحق أو مركز يحميه القانون وأن تهدف الدعوى إلى الاعتراف له بهذا الحق أو بهذا الوضع القانوني وحمايته . ومن بين التشريعات التي تنص على قانونية المصلحة بشكل صريح المشرع الكويتي في المادة الثانية من قانون المرافعات الذي يستعمل عبارة "مصلحة يقرها القانون" ، وهكذا مثلا فإن مصلحة المتضرر من أي عمل ضار هي التعويض وجبر ما أصابه من ضرر ماديا كان أو معنويا ، لأن المصلحة تعتد بهما معا .
ولا يعتد بالمصلحة الاقتصادية أو تحقيق مصلحة غير مشروعة تخالف النظام العام والآداب العامة، كالمطالبة بمداخيل استغلال بيوت الدعارة، أو بيع المخدرات أو المطالبة باسترداد المبالغ المسروقة أو المطالبة الخليلة بحقها في التركة خليلها.
2 – أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة :
لا يؤخذ بالمصلحة إلا إذا كانت شخصية ومباشرة تستند إلى حق أو مركز قانوني فالمتقاضي في هذه الحالة يكون قد تضرر شخصيا من اعتداء أو تهديد لحق يتمتع به حيث يكون الهدف من دعواه إزالة هذا الاعتداء أو التهديد، يستوي أن ترفع الدعوى من طرفه شخصيا أو من نائبه .
فلو رفع شخص دعوى استرداد عقار في ملكية أخيه دون أن يثبت نيابته عنه بسند رسمي أو عرفي، فإنها لا تقبل منه، والشيء نفسه لمن يتدخل في الدعوى لحساب شخص آخر ولا يحق للخصم أن يطعن في الحكم الصادر برفض طلب خصمه، وفي الملكية المشتركة لا يجوز لأحد الملاك أن يرفع دعوى استرداد المساحة المخصصة لركن سيارة جاره بالمرآب العمارة .
فالمصلحة الشخصية والمباشرة تعتبر من أسس بناء المصلحة في التقاضي فانعدامها يؤدي إلى عدم قبول الدعوى إلا أن هناك بعض التشريعات تمنح للنقابات الحق في التقاضي والتدخل من أجل الدفاع عن أعضائها دون أن تكون للنقابة مصلحة شخصية ومباشرة في الدعوى حيث ينتقل هذا الحق للنقابة دون توكيلها، وإنما تعتبر النقابة نائبة عن العامل بحكم القانون (التشريع الفرنسي)، أما في المغرب فهنالك اختلاف بين الفقه ، حيث نجد بعض الفقه يقول في معرض مناداته لمنح النقابات المهنية حق الادعاء للدفاع عن المصالح المهنية للأعضاء ما يلي : "من القوة والمكانة الدفاعية ما ليس للنقابيين بمفردهم والنقابات مؤهلة أكثر منهم للدفاع عن المصالح المهنية التي إذا ما ترك الأمر إليهم ألا يدافع عنها الدفاع اللائق" .
وهذا فيما يتعلق بالمصلحة الجماعية للمهنة ويصنف في أحقية النقابة في رفع الدعوى حماية للمصالح الفردية للأطراف حيث استشهد بما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 17 من ظهير أبريل 1957 بشأن اتفاقية الشغل الجماعية هي: "إن النقابات والهيئات المؤهلة للمرافعة القضائية إذا كانت مرتبطة باتفاقية جماعية للشغل يمكنها أن تقيم جميع الدعاوى الناشئة عن هذه الاتفاقية لصالح كل "عضو" من أعضائها ، من غير أن يكون عليها الإدلاء بتوكيل منه وإنما يبلغ الإعلام ولا يطرح باعتراضه على ذلك ويمكنه في كل آن أن يتدخل في المرافعة التي تقيمها النقابة أو الهيأة" .
3 – أن كون المصلحة قائمة وحالة :
إلى جانب قانونية المصلحة يجب أن تكون أيضا قائمة وحالة، لأن دور القضاء هو الفصل في قضايا محققة، وتأسيسا على ذلك فلا تقبل أية دعوى أولا يكون لصاحبها فيها مصلحة قائمة وحالة أي أن يكون الضرر الذي يسعى المدعي إلى رفعه وإزالته قد وقع بالفعل وهي مؤكدة وغير احتمالية، وقد حدد قضاء النقض المصري أسس المصلحة القائمة في ما يلي :
أ – أن يكون لرافع الدعوى حق يحميه
ب – أن يكون قد تم الاعتداء على هذا الحق بالفعل، أو على الأقل حصلت منازعة بصدده، على نحو يحقق الضرر الذي يبرر التجاء المضرور إلى القضاء لدفع الاعتداء .
وهكذا من أحدث ضرر نتيجة خطأ، فإن المتضرر له مصلحة قائمة وموجودة في الرفع دعوى لجبر الضرر الذي لحقه، وبالتالي هناك حق جدير بالحماية ثم الاعتداء عليه بالفعل، والشيء نفسه لمن تعرض للقذف أو السب ، كذلك الشخص الذي تمت الإساءة إليه وتعرض لحياته الشخصية بعد وفاته فلعائلته مصلحة قانونية وقائمة وحالة للتقاضي .
وبالمقابل إذا طلبت الزوجة والأبناء بطلان تصرف الزوج باعتبارهم ورثته، فإنه لن يلتفت إلى ذلك لأن المصلحة غير قائمة وحالة، عكس إذا طلبوا الحجر عليه لجنونه .
4 – المصلحة المحتملة :
هل يشترط أن تكون المصلحة دائما قائمة أم يكتفى الاعتداء بالمصلحة الاحتمالية؟ لأن المتقاضي قد يروم من دعواه الاحتياط لدفع ضرر محدق، هذا الموضوع أثار آراء مختلفة؟
المسطرة المدنية المغربية نصت في الفصل الأول على شروط الدعوى دون تحديدها أو تفصيلها ، حيث انتصب الفقه والقضاء إلى تحديد خصائص كل من هذه الشروط .
من بين المسائل التي أثارت ولازالت تثير النقاش موضوع المصلحة المحتملة، حيث اختلفت التشريعات في النص عليها هناك من أخذ بها كالمشرع المصري والمشرع السوري . ومنها من لم ينص على ذلك كتشريعات المغرب والجزائر وتونس وفرنسا . لكن الفقه والقضاء أخذ بالمصلحة المحتملة في قبول الدعاوى ، وهو استثناء إذا المقصود به المصلحة الوقائية ، لأن لاحتمال يتعلق بالضرر ولا يتعلق بالمصلحة التي تكون دائما قائمة وحالة .
ويمكن القول بأن المصلحة المحتملة هي التي لم تتولد بعد، وقد لا تتولد أبدا.
وصور المصلحة المحتملة يمكن حصرها عامة في دعاوى الاحتياط لدفع ضرر والدعاوى التقريرية . ودعاوى المطالبة بأداء التزامات مستقبلية، دعاوى قطع النزاع ، ودعاوى حفظ الدليل، ودعاوى سماع شاهد، ودعاوى تحقيق الدليل، ودعاوى تحقيق الخطوط الأصلية ، ودعاوى التزوير الأصلية، وفي القضاء المستعجل أمثلة كثيرة للمصلحة المحتملة .
5 – زمن توفر المصلحة :
ونعني به وقت تحقق المصلحة، أي متى يجب أن تكون المصلحة متوفرة ؟ وفي هذا الباب آراء فقهية عديدة، فهناك من يرجح توافرها عند رفع الدعوى ، وهناك من يقول بوقت نظر في الدعوى، ورأي الوسط الذي يرى بضرورة توافر المصلحة منذ رفع الدعوى إلى حين الفصل فيها ، على اعتبار أن القاضي ينظر في قبول أو عدم قبول دعوى شكلا قبل النظر في موضوعها . فالأصل أن تقدير توافر المصلحة هو وقت نظر الدعوى أما إثارتها كشرط من شروط الدعوى فهو قائم إلى غاية الفصل فيها وفي جميع مراحل الإدعاء ولو لأول مرة أمام المجلس الأعلى على اعتبار أنها من النظام العام وهكذا مثلا فإن وقت توافر المصلحة في الطعن وقته هو وقت صدوره .
الفقرة الثانية : الآثار المترتب عن عدم توفر المصلحة
1 – تصحيح المسطرة :
الآثار المترتبة عن عدم توفر المصلحة هي تصحيح المسطرة ثم أن المصلحة من النظام العام، يجب رفض الدعوى في حالة ما إذا كانت مبنية على مصلحة غير مشروعة.
وأن الشروط الموضوعية للدعوى تستوجب من القاضي أن يأذن بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدد تبعا لكل حالة، بشكل يكون كافيا لتصحيحها تحت طائلة عدم قبول الدعوى الذي يعتبر من النظام العام، ويمكن إثارة تصحيح المسطرة أمام كل درجات التقاضي حتى أمام مجلس الأعلى سابقا ومحكمة النقض حاليا لأول مرة وتصحيح المسطرة يتم بعد إنذار القاضي للطرف يترتب عنه النظر في القضية إذا تم ذلك أو عدم القبول في حالة عدم الاستجابة .
2 – المصلحة من النظام العام :
بإضافة شرط الأهلية والصفة فإن شرط المصلحة هو بدوره من النظام العام وانعدامه يؤدي إلى عدم قبول الدعوى أولا دعوى بدون مصلحة ، فالمدعي ملزم بتصحيح المسطرة بعد إنذاره من أجل تحديد مصلحته في الدعوى، ومتى فعل ذلك تعتبر الدعوى كأنها أقيمت صحيحة وإن لم يفعل ثم عدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة
3 – المصلحة غير المشروعة :
لأصل في المصلحة أن تكون شخصية ، أي اتصال موضوع الدعوى مساسه بمركزه القانوني، ثم إن الشرعية أن يكون موضوع المصلحة يحميه القانون ولا يعتبر من التصرفات الغير المشروعة أو المنافية للنظام العام ولآداب العامة كدعوى استحقاق دين مترتب على بيع المخدرات مثلا لأن المصلحة غير المشروعة لا يعيد بها ولا نسعف المتمسك برفع الدعوى قبولها من طرف المحكمة وأن تكون شخصية ومباشرة ، فالمدعي لا يقبل منه أن يطالب بحق الغير ولو كان حق أبيه أو أخيه أو زوجه، مالم يكن نائب عن هذا الغير .
المبحث الثاني :
المصلحة في القضاء الإداري مع بيان شروط العامة للحق المدعى به
كما هو معلوم أن الأحكام العامة لشرط المصلحة هي منظمة الفصل الأول من المسطرة المدنية لكن هناك بعض الأحكام خاصة بالمصلحة التي تخضع لازدواجية القضاء المغربي والتي تخص القضاء الإداري لهذا ارتأينا في هذا المبحث الحديث عن شرط المصلحة في القضاء الإداري في الإطار لاستعراضنا للشروط العامة للدعوى كما حاولنا كذلك التطرق للشروط العامة الواجب توفرها في حق المدعى به لهذا سنقسم هذا المبحث لمطلبين على النحو التالي :
المطلب الأول : المصلحة بين القضاء الإداري والقضاء العادي
منالمستقر عليه فقهاوقضاءا أن دعوى الإلغاء تعد دعوى موضوعية تهدف إلى تحقيق الاحترام الواجب لمبدأ الشرعية وهذا يعني ضرورة أن يتسع مدى هذه الدعوى لأن رافعي الدعوى يقومون بدور من شأنه أن يحقق سيادة حكم القانون وبالتالي تحقيق مصلحة عامة، بيد أن الأخذ بهذا المبدأ على إطلاقه من شأنه أن يجعل من دعوى الإلغاء دعوى حسبة تخول لكافة المواطنين حق مراقبة الإدارة في تصرفاتها، ولتلافي هذا الوضع يكتفي القضاء الإداري باشتراط أن يكون الطاعن في دعوى الإلغاء له مصلحة وذلك تطبيقا للقاعدة المعروفة ومعناها -حيث لا تكون مصلحة لا تكون دعوى- وعلى ذلك لا يشترط لقبول دعوى الإلغاء أن يكون للطاعن حقا قد تم الاعتداء عليه وإنما يكتفي بأن يكون له مصلحة، وهنا يختلف الوضع عما هو عليه في دعاوى التعويض فهذه يجب أن تستند إلى حق لرافعها تم الاعتداء عليه، الأمر الذي يعني أنه قد لحقه ضرر من جراء هذا الاعتداء.
ومن الجدير بالذكر أن اندماج شرط الصفة والمصلحة إنما ينتج عن التطبيق العادي لقواعد المرافعات المدنية وعلى ذلك ليس هناك غرابة أن يتحقق نفس الشيء بخصوص دعوى الإلغاء وبذلك فإن محكمة القضاء الإداري لم تأتي بجديد عندما قالت أن صفة المتقاضي في قضاء الإلغاء تندمج في المصلحة فيكفي لقبول طلب إلغاء القرار الإداري توافر شروط المصلحة الشخصية المباشرة في الإلغاء مهما كانت صفة رافع الدعوى.
ونشير إلى أن القضاء الإداري يطبق في شأن الأهلية القواعد العامة المستقر عليها، ولذلك كنا بحاجة لأن نتعرض لها بالدراسة، وبالتالي فإن دراستنا للشروط التي تتعلق برافع دعوى الإلغاء ستقتصر على دراسة شرط المصلحة وذلك على النحو التالي :
1 - القواعد العامة التي تحكم المصلحة :
المصلحة شرط لقبول دعوى الإلغاء ويجب أن تتوافر عند رفع الدعوى والعبرة بتوافر هذه المصلحة في تاريخ رفع الدعوى وهذا ما قرره القضاء الإداري المصري بقوله "العبرة في قبول الدعوى بتوافر المصلحة يوم رفعها" أما زوال هذه المصلحة أثناء نظر الدعوى وعدم زوالها فإنه يكون من الأمور الموضوعية التي تنظر فيها المحكمة دون أن يؤدي ذلك أن إلى عدم قبول الدعوى، إذا كانت المصلحة تعد شرطا لقبول دعوى الإلغاء فإن هناك تساؤلا يجب الإجابة عليه وهو هل يجب أن تظل المصلحة قائمة حتى يتم الفصل في الدعوى؟
من الثابت أن توافر قيام المصلحة إلى أن يصدر حكم في الدعوى هو شرط ضروري بالنسبة لدعوى الإلغاء ذلك أن الدعوى هي دعوى موضوعية تهدف إلى تحقيق مصلحة شخصية لرافعها، وتحقيق مصلحة عامة تتمثل في تحقيق الاحترام الواجب لمبدأ المشروعية، ولقد كانت الرغبة في تمييز هذه الدعوى عن دعوى الحسبة وراء اشتراط أن يكون لرافعها مصلحة حتى تقبل دعواه . هذا التساؤل الذي عرضنا له لا يثور إلا في حالة زوال المصلحة الشخصية للطاعن مع بقاء وجه عدم المشروعية أما إذا أزالت الإجازة عيب عدم المشروعية ففي هذه الحالة لا يكون هناك فائدة لاستمرار الدعوى وهو المبدأ الذي أقره قضاؤنا الإداري قائلا : ومن حيث أنه تجب التفرقة في طلبات الإلغاء بين ما هو مقدم منها من أشخاص لهم حقوق اعتدت عليها قرارات (القرارات المطعون فيها) وما هو مقدم منها من أشخاص لم تعتد القرارات فيها على حق من حقوقهم وإنما يكون لهم مجرد مصلحة مستها القرارات المطعون فيها، ففي الحالة الأولى لا يكون الأمر مقصورا على مخاصمة القرار الإداري في ذاته لمخالفته للقانون أو لسبب آخر من أسباب الإلغاء بل يتجاوز ذلك إلى الحكم في موضوع الحق، ومن جانبنا نرى أن طبيعة دعوى الإلغاء من شانها أن ترجح صحة المسلك الذي يأخذ به القضاء الإداري الفرنسي خاصة وأن دعوى الإلغاء وإن كانت ترفع من رافعها استنادا إلى وجود مصلحة شخصية له فإنها تحقق في الوقت ذاته مصلحة عامة تتمثل في حماية مبدأ الشرعية، وعلى ذلك فإن المنطق السليم يقتضي أن لا تتأثر دعوى الإلغاء بما يطرأ على شرط المصلحة الخاصة بعد رفع الدعوى وهو المسلك الذي يأخذ به مجلس الدولة الفرنسي
2 - طبيعة الدفع بانعدام المصلحة:
هناك ثلاثة فروع يعرفها قانون المسطرة المدنية هي: دفوع موضوعية، وهي دفوع يمكن أن تثار في أي مرحلة عليها الدعوى، ودفوع شكلية وهذه الدفوع يجب أن تتم إثارتها قبل الدخول في الموضوع فإذا تغاضى الأطراف عن إثارتها ابتداء لا يجوز لهم إثارتها بعد الدخول في الموضوع، وأخيرا دفوع بعدم القبول ولكن ما هو التكييف القانوني للدفع بانعدام المصلحة ؟ وبعبارة أخرى إلى أي نوع من هذه الدفوع يدرج الدفع بانعدام المصلحة ؟
من المستقر عليه فقهاء وقضاء أن الدفع بانعدام المصلحة لا يعد من الدفوع الشكلية التي تسقط بالتحدث في الموضوع ولكن يبقى معرفة هل هذا الدفع هو دفع موضوعي أم هو دفع بعدم القبول ؟ استقراء أحكام القضاء الإداري تظهر بوضوح أن الدفع بانتفاء المصلحة هو دفع موضوعي، هذا التكييف عبرت عليه محكمة القضاء الإداري قائلة "بأنه لا يؤثر في هذا الدفع التأخر في إبدائه إلى ما بعد مواجهة موضوع الدعوى لأنه من الدفوع التي لا تسقط بالتكلم في الموضوع ويجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى"
3- المصلحة الشخصية والمباشرة:
لقد جرى قضاؤنا الإداري على انه لكي تقبل دعوى الإلغاء يجب أن يكون لرافعها مصلحة من وراء رفع دعواه ولا يكتفي القضاء الإداري بذلك بل يشترط علاوة على هذا أن تكون هذه المصلحة شخصية وهذا يعني أن القضاء وان لم يتطلب في رافع الدعوى أن يكون صاحب حق تم الاعتداء عليه لكي تقبل دعواه فإنه اقتضى أن يتواجد الطاعن في حالة قانونية أثر فيها القرار المطلوب إلغاؤه تأثيرا مباشرا وعلى حد تعبير محكمة القضاء الإداري أن المصلحة في رفع دعوى الإلغاء تتوافر عندما يكون رفعها في حالة قانونية يؤثر فيها القرار المطعون فيه تأثيرا مباشرا، ولكن ما هو الوضع بالنسبة للورثة الذين يبغون الاستمرار في دعوى الإلغاء التي رفعها مورثهم ؟ الإجابة على هذا التساؤل تختلف باختلاف الأحوال فإذا كان القرار الذي طعن فيه المورث يتعلق بالتعيين في إحدى الوظائف العامة فإن الورثة لا يستطيعون الاستمرار فيه لأنهم لا يعدون في حالة قانونية خاصة أثر فيها القرار تأثيرا مباشرا وهذا وهو الرأي الذي أخذ به قضاء مجلس الدولة المصري عندما قضي بعدم أحقية الورثة في الحلول محل مورثهم في السير في إجراءات دعوى الإلغاء .
ويمكن القول إذن أن كل من له مصلحة شخصية ومباشرة يستطيع أن يرفع دعوى الإلغاء بيد أنه قد يحدث ويتعدد أصحاب المصالح الشخصية والمباشرة وفي هذه الحالة يجوز لهؤلاء أن يرفعوا دعوة واحدة.
4 - المصلحة المادية والأدبية:
إذا كانت دعوى الإلغاء تتطلب لقبولها توافر شرط المصلحة المباشرة والشخصية لرافعها فهل يجب أن تكون هذه المصلحة مادية أم يمكن أن تكون أدبية كذلك ومن الثابت أن دعوى الإلغاء تحمي المصلحة المادية كما تحمي المصلحة الأدبية ومن ثم فإن القضاء الإداري يقبل الدعوى حتى توافر لرافعها مصلحة أيا كانت مادية أو معنوية والمثال الواضح للمصلحة المعنوية يتمثل في حق كل من يعتنق دينا سماويا معنيا في أن يطلب إلغاء القرار الإداري الذي يقضي بإلغاء دور العبادة المخصصة لممارسة الدين الذي يعتنقه
5 - المصلحة المحققة والمصلحة المحتملة:
مما لا شك فيه أن دعوى الإلغاء تحمي المصلحة المحققة سواء أكانت ماديـــة أو أدبية ولكن هناك تساؤلا يجب الإجابة عليه هل تكفي المصلحة المحتملة لقبول دعوى الإلغاء وبعبارة أخري هل تحمي دعوى الإلغاء المصلحة المحتملة؟ ويشترط القضاء العادي ضرورة أن يكون لرافع الدعوى مصلحة حاله حتى تقبل دعوى ولا يكفي لقبولها أن تكون المصلحة التي تعود عليه مصلحة محتملة على أن هناك بعض الحالات التي أجاز فيها المشرع قبول الدعوى لحماية مصلحة محتملة وهي محددة علي سبيل .
المطلب الثاني : الشروط الواجب توافرها في الحق المدعى به
إذا كان لا بد من توفر شروط في شخص المدعي: من صفة وأهلية ومصلحة، فإنه لا بد من توافر شروط في الحق المدعى به، حتى تقبل الدعوى وهذه الشروط هي :
1 – أن يكون الحق ثابتا ومستحق الأداء
2 – أن يكون مشروعا
3 – أن لا يكون قد سبق الحكم به
1 – أن يكون الحق ثابتا ومستحق الأداء:
يقصد ثبوتية الحق قيامه وقت المطالبة به، بحيث يكون موجودا يقينا غير معلق على شرط واقف، فلو رهن شخص عقارا رهنا حيازيا جاز للمرهون له مقاضاة الراهن بتسليم العقار المرهون، إذ التزم شخص بالإنفاق على شخص آخر (صغير أو كبير) وتوقف عن الإنفاق جاز للمستفيد من النفقة مقاضاته لتنفيذ التزامه .
من خلال هاذين المثالين يتبين أن لكل من المرهون له والمستفيد من النفقة حقا ثابتا عكس إذا كان الحق معلقا على شرط واقف، فإنه لا تقبل فيه الدعوى ما دام الشرط لم يتحقق ، فلو التزم أب بأن يهب لزوج ابنته سيارة إذا أنجبت منه فإن هذا الأخير لا يمكنه مقاضاة الأب قصد تنفيذ التزامه – إلا بعد تحقق الشرط وهو الإنجاب – فالحق المعلق على شرط ليس بحق ثابت ويعتبر معدوما، لأن وجوده مرتبط بتحقق الشرط ، علما أن المشرع المغربي قد وضع استثناء يهم الإجراءات التحفظية كضمان حقوق الدائن رغم أن الشرط المعلق لم يتحقق .
أما استحقاق الداء، فيجب أن يكون حالا قابلا للتنفيذ غير مرتبط بأجل أو أن يكون الأجل قد حل ، ففي عقود البيع يجب تسليم الشيء المبيع بمجرد أداء الثمن يكون الشيء المبيع في حيازة المشتري قبل البيع "التسليم الاتفاقي" ، أما إذا كان التسليم مرتبط بأجل كأن يتفق المتعاقدين على أن يتم تسليم العقار المبيع بعد ثلاثة أشهر من تمام البيـــع أو الاتفاق على ذلك إلى حين الوفاء بكامل الثمن خلال فترة محددة، فإذا انقضت الثلاثة أشهر أو ثم أداء الثمن خلال الفترة المتفق عليها، يمكن مطالبة البائع بتسليم العقار المبيع لأن الأجل قد حل، خلاف إذا لم يحل الأجر فإذا الالتزام يعتبر غير مستحق الأداء، وقد استثنى المشرع المغربي الإجراءات التحفظية بضمان حق الدائن رغم أن الشرط المعلق لم يتحقق .
2 – أن يكون مشروعا:
والمقصود بذلك أن يكون هذا الحق المدعى به من الأمور التي يدخلها المشرع ضمن دائرة التعامل الشرعي وغير المخالفة لأحكام القانون والنظام العام والأخلاق الحميدة .
وفي هذا الإطار يمكننا الإشارة إلى أن هنالك مجموعة من الحقوق قد تهدر لمجرد مخالفتها للقانون مثلا كأن يجري التصرف بمحرر عرفي بينما يتطلب القانون إجراءه بمحرر رسمي أو يكون القانون قد قرر بطلانه لاعتبارات خاصة كشراء السمسار لأموالا منقولة أو عقارات عهدت له مهمة بيعها أو تقييمها أو تنازل على تركة إنسان مازال على قيد الحياة أو اشتراط الفائدة بين المسلمين، وهكذا فإن الدعوى الرامية إلى إلزام شخص يتصرف مخالف للقانون وجب ردها لأن الحق المدعى به انبنى على تصرف باطل .
كما أن الحق المخالف للنظام العام والآداب العامة تعتبر باطلة ومفهوم النظام العام يختلف من بلد إلى آخر وأما الأخلاق الحميدة هي ترجمة لثقافات الشعوب وقد تختلف في البلد الواحد من منطقة إلى منطقة، والمغرب تحكمه قوانين وتتحكم فيه أعراف وتقاليد أفرزتها هويته الإسلامية العربية الإفريقية، فالشخص الذي يؤجر آخر قصد ارتكاب جريمة فهذا مخالف للنظام العام وتتفق بلدان العالم على ذلك، والاتفاق الرامي إلى تسيير البيوت المخلة بالآداب عندنا في المغرب فإنها مخالفة للنظام العام وللأخلاق ، لكن في بلدان أخرى تكون مباحة .
ومهما يكن فإن اتفاق أو التصرف المخالف للنظام العام والآداب العامة والأخلاق الحميدة يعتبر باطلا، لا تسمع دعواه لأن محل أو سبب الالتزام عنه مخالف للنظام العام والآداب العامة .
ولا بد من الإشارة إلى أن دعوى استرداد ما دفعه المدين تنفيذ الالتزام غير مشروع تأسيسا على ما سلف ، تكون دعوى صحيحة لأن جوهرها هو تقرير بطلان الالتزام المخالف للقانون .
وهذا ما حدا بالمشرع المغربي لأن يعالج الأمر في الفصل 306 ق ل ع الذي نص على ما يلي :
"الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له، ويكون الالتزام باطلا بقوة القانون :
- إذا كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لها .
- إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه " .
3 – أن لا يكون قد سبق الحكم به:
أن الأحكام الصادرة عن القضاء هي حجية بما فصلت به، حيث يفترض فيها الترجمة المثلى للحقيقة بحيث لا يمكن للخصوم الالتجاء للقضاء مرة أخرى للفصل في القضايا التي سبق الفصل فيها، وإذا تم ذلك يمكن دفع هذه الدعوى بحجية الأمر المقضي من طرف له مصلحة ولا يمكن لقاضي إثارتها من تلقاء نفسه .
وهكذا فلا تسمع الدعوى لذات الحق الذي سبق الحكم فيه، بل لا يمكن لورثة أطراف الدعوى مباشرتها لذات النزاع حيث العبرة بموضوع النزاع وأطرافه والورثة استمرار للأطراف وليسو بخصوم جدد .
خاتمة
حاولنا من خلال هذا العرض استعراض ولو بشكل متواضع التنظيم القانوني الذي وضعه المشرع المغربي لشرط المصلحة في قانون المسطرة المدنية وذلك على ضوء الفصل الأول من هذا القانون من خلال الشروط العامة للدعوى ، يمكننا الاستنتاج أن القاضي يثير تلقائيا انعدام الأهلية أو الصفة أو المصلحة وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل الأجل يحدده، وإذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة طبقا للفصل الأول من ق م المدنية ، وبينما يختلف بشأن بنسبة لشروط الخاصة للدعوى الواردة ففي الفصل 32 من ق م المدنية الواردة بصيغة الوجوب منها يعني غياب أحد هذه البيانات يؤدي حتما إلى عدم قبول الدعوى .
على أننا نرى حتى لا تضيع حقوق المتقاضين أن بعمل القاضي على توجيه إنذار الطرف بتصحيح المسطرة بخصوص كافة الشروط المتعلقة بقبول الدعوى قبل الحكم بعدم قبولها مع منح الأجل الكافية لذلك .